فصل: (سورة الأعراف: الآيات 144- 146)

/ﻪـ 
البحث:

هدايا الموقع

هدايا الموقع

روابط سريعة

روابط سريعة

خدمات متنوعة

خدمات متنوعة
الصفحة الرئيسية > شجرة التصنيفات
كتاب: الحاوي في تفسير القرآن الكريم



.[سورة الأعراف: الآيات 144- 146]

{قالَ يا مُوسى إِنِّي اصْطَفَيْتُكَ عَلَى النَّاسِ بِرِسالاتِي وَبِكَلامِي فَخُذْ ما آتَيْتُكَ وَكُنْ مِنَ الشَّاكِرِينَ (144) وَكَتَبْنا لَهُ فِي الْأَلْواحِ مِنْ كُلِّ شَيْءٍ مَوْعِظَةً وَتَفْصِيلًا لِكُلِّ شَيْءٍ فَخُذْها بِقُوَّةٍ وَأْمُرْ قَوْمَكَ يَأْخُذُوا بِأَحْسَنِها سَأُرِيكُمْ دارَ الْفاسِقِينَ (145) سَأَصْرِفُ عَنْ آياتِيَ الَّذِينَ يَتَكَبَّرُونَ فِي الْأَرْضِ بِغَيْرِ الْحَقِّ وَإِنْ يَرَوْا كُلَّ آيَةٍ لا يُؤْمِنُوا بِها وَإِنْ يَرَوْا سَبِيلَ الرُّشْدِ لا يَتَّخِذُوهُ سَبِيلًا وَإِنْ يَرَوْا سَبِيلَ الغَيِّ يَتَّخِذُوهُ سَبِيلًا ذلِكَ بِأَنَّهُمْ كَذَّبُوا بِآياتِنا وَكانُوا عَنْها غافِلِينَ (146)}.

.الإعراب:

{قالَ يا مُوسى إِنِّي اصْطَفَيْتُكَ عَلَى النَّاسِ بِرِسالاتِي وَبِكَلامِي} كلام مستأنف مسوق لتسلية موسى عليه السلام على ما فاته من الرؤية.
وجملة النداء في محل نصب مقول القول، وإن واسمها، وجملة اصطفيتك خبر، وعلى الناس جار ومجرور متعلقان باصطفيتك، وبرسالاتي جار ومجرور متعلقان باصطفيتك أيضا، وجمع الرسالة لأن الذي أرسل به ضروب وأنواع مختلفة، وبكلامي عطف على برسالاتي، وقدم الرسالة تنويها بالترقي إلى الأشرف، لأن مكالمته مزية خاصة له، وأعاد حرف الجر تنويها بمغايرة الاصطفاء للكلام {فَخُذْ ما آتَيْتُكَ وَكُنْ مِنَ الشَّاكِرِينَ} الفاء الفصيحة، والجملة بعدها لا محل لها لأنها جواب شرط غير جازم، وجملة آتيتك صلة {ما}، وكن من الشاكرين عطف على خذ، ومن الشاكرين جار ومجرور متعلقان بمحذوف خبر {كن} {وَكَتَبْنا لَهُ فِي الْأَلْواحِ مِنْ كُلِّ شَيْءٍ} الواو استئنافية، وكتبنا فعل وفاعل، وله جار ومجرور متعلقان بكتبنا، وفي الألواح جار ومجرور متعلقان بمحذوف حال، ومن كل شيء جاء ومجرور متعلقان بمحذوف مفعول به، والمراد ألواح التوراة {مَوْعِظَةً وَتَفْصِيلًا لِكُلِّ شَيْءٍ} موعظة بدل من محل {من كل شيء}، لأنه مفعول به كما تقدم، ويجوز إعراب {موعظة} مفعولا من أجله، أي: كتبنا له تلك الأشياء للموعظة والتفصيل، ولكل شيء جار ومجرور متعلقان ب {تفصيلا} أو صفة له {فَخُذْها بِقُوَّةٍ وَأْمُرْ قَوْمَكَ يَأْخُذُوا بِأَحْسَنِها سَأُرِيكُمْ دارَ الْفاسِقِينَ} الفاء الفصيحة أو عاطفة لمحذوف على كتبنا، والتقدير: فقلنا خذها، وخذ فعل أمر، والهاء مفعول به. وبقوة جار ومجرور متعلقان بمحذوف حال من فاعل خذها، وجملة امر عطف على خذها، وقومك مفعول به، ويأخذوا فعل مضارع مجزوم لأنه جواب الطلب، وخص الأحسن بالأخذ، وكل ما فيها مطلوب، مبالغة في التحري وحسن الأخذ واختيار الأسدّ المحكم، أو ان التفضيل غير مراد كقولهم: الصيف أحر من الشتاء، أي هو في حرّه أبلغ من الشتاء في برده، فتفضيل حرارة الصيف على برد الشتاء غير مراد، فلما أريد بالأحسن المأمور به- لكونه أبلغ في الحسن من المنهي عنه في القبح- كان اللازم أن لا يجوز الأخذ بالمنهي عنه، وسأريكم دار الفاسقين جملة مستأنفة مسوقة للتأكيد للأمر بالأخذ بالأحسن والحث عليه، فهي بمثابة التعليل، ولا يخفى ما في الالتفات من زيادة في التأكيد والمبالغة للأخذ بالأحسن. أما دار الفاسقين فقيل: هي دار فرعون وأتباعه، للاعتبار بها، وقيل: هي غير ذلك، ولا محل للاجتهاد هنا {سَأَصْرِفُ عَنْ آياتِيَ الَّذِينَ يَتَكَبَّرُونَ فِي الْأَرْضِ بِغَيْرِ الْحَقِّ} كلام مستأنف مسوق للتحذير من الاستكبار الصارف للأذهان عن التفكير الحق. وعن آياتي جار.

.البلاغة:

1- الالتفات في قوله: {وَالَّذِينَ كَذَّبُوا بِآياتِنا وَلِقاءِ الْآخِرَةِ حَبِطَتْ أَعْمالُهُمْ هَلْ يُجْزَوْنَ إِلاَّ ما كانُوا يَعْمَلُونَ (147) وَاتَّخَذَ قَوْمُ مُوسى مِنْ بَعْدِهِ مِنْ حُلِيِّهِمْ عِجْلًا جَسَدًا لَهُ خُوارٌ أَلَمْ يَرَوْا أَنَّهُ لا يُكَلِّمُهُمْ وَلا يَهْدِيهِمْ سَبِيلًا اتَّخَذُوهُ وَكانُوا ظالِمِينَ (148)}.

.اللغة:

{حُلِيِّهِمْ}: جمع حلي كثدي وثديّ، وأصله حلويّ، اجتمعت الواو والياء وسبقت إحداهما بالسكون فقلبت ياء وأدغمت في الياء وكسرت اللام لأجل الياء. والحلي اسم لما يتحلى به من الذهب والفضة.
{خُوارٌ}: بضم الخاء كما هي القاعدة الأغلبية في أسماء الأصوات، إما على وزن فعال أو فعيل كزئير.

.الإعراب:

{وَالَّذِينَ كَذَّبُوا بِآياتِنا وَلِقاءِ الْآخِرَةِ حَبِطَتْ أَعْمالُهُمْ} الواو استئنافية، والجملة مستأنفة لبيان نمط آخر من عصيانهم وافتئاتهم على اللّه. واسم الموصول في محل رفع مبتدأ، وجملة كذبوا بآياتنا صلة، ولقاء الآخرة عطف على بآياتنا، وجملة حبطت أعمالهم خبر المبتدأ {هَلْ يُجْزَوْنَ إِلَّا ما كانُوا يَعْمَلُونَ} الهمزة للاستفهام، المراد به النفي، ولذلك دخلت بعدها {إلا}، ويجزون فعل مضارع مبني للمجهول، والواو نائب فاعل، وإلا أداة حصر، وما اسم موصول في محل نصب مفعول به ثان، وجملة كانوا صلة الموصول، وجملة يعملون خبر، ولا أرى داعيا لتقدير محذوف، كما قال الواحديّ، ونصه: وهنا لابد من تقدير محذوف، أي إلا بما كانوا، أو على ما كانوا، أو جزاء ما كانوا. قلت: والجزاء المقابل أوضح، فلا داعي لهذا التكلف. {وَاتَّخَذَ قَوْمُ مُوسى مِنْ بَعْدِهِ مِنْ حُلِيِّهِمْ عِجْلًا جَسَدًا لَهُ خُوارٌ} الواو استئنافية، والكلام مستأنف مسوق لسرد نمط آخر من أنماط تجنيهم، ويجوز أن تكون الواو عاطفة، من عطف قصة على قصة. وقوم موسى فاعل، ومن بعده جار ومجرور متعلقان باتخذ، ومن حليهم جار ومجرور متعلقان باتخذ، أو بمحذوف في موضع الحال، لأنه لو تأخر لكان صفة، كما هي القاعدة. وعجلا مفعول به، وجسدا بدل، وأتى بهذا البدل دفعا لتوهم أنه صورة عجل منقوشة، وله جار ومجرور متعلقان بمحذوف خبر مقدم، وخوار مبتدأ مؤخر، والجملة في محل نصب صفة لقوله: {عجلا} {أَلَمْ يَرَوْا أَنَّهُ لا يُكَلِّمُهُمْ وَلا يَهْدِيهِمْ سَبِيلًا} كلام مستأنف مسوق لتقريعهم على سوء اختيارهم، وإمعانهم في ركوب متن الشطط. والهمزة للاستفهام الإنكاري، ولم حرف نفي وقلب وجزم، والواو فاعل يروا، وأن وما في حيزها سدت مسد مفعولي يروا، وجملة لا يكلمهم خبر، ولا يهديهم سبيلا عطف على لا يكلمهم، وسبيلا مفعول به ثان، أو منصوب بنزع الخافض {اتَّخَذُوهُ وَكانُوا ظالِمِينَ} جملة مستأنفة مسوقة لتكون جوابا عن سؤال نشأ من سياق الكلام، أي: فكيف اتخذوه؟
والواو عاطفة، وكان واسمها، وظالمين خبرها.

.[سورة الأعراف: الآيات 149- 151]

{وَلَمَّا سُقِطَ فِي أَيْدِيهِمْ وَرَأَوْا أَنَّهُمْ قَدْ ضَلُّوا قالُوا لَئِنْ لَمْ يَرْحَمْنا رَبُّنا وَيَغْفِرْ لَنا لَنَكُونَنَّ مِنَ الْخاسِرِينَ (149) وَلَمَّا رَجَعَ مُوسى إِلى قَوْمِهِ غَضْبانَ أَسِفًا قالَ بِئْسَما خَلَفْتُمُونِي مِنْ بَعْدِي أَعَجِلْتُمْ أَمْرَ رَبِّكُمْ وَأَلْقَى الْأَلْواحَ وَأَخَذَ بِرَأْسِ أَخِيهِ يَجُرُّهُ إِلَيْهِ قالَ ابْنَ أُمَّ إِنَّ الْقَوْمَ اسْتَضْعَفُونِي وَكادُوا يَقْتُلُونَنِي فَلا تُشْمِتْ بِيَ الْأَعْداءَ وَلا تَجْعَلْنِي مَعَ الْقَوْمِ الظَّالِمِينَ (150) قالَ رَبِّ اغْفِرْ لِي وَلِأَخِي وَأَدْخِلْنا فِي رَحْمَتِكَ وَأَنْتَ أَرْحَمُ الرَّاحِمِينَ (151)}.

.اللغة:

{سُقِطَ فِي أَيْدِيهِمْ}: اضطربت أقوال أهل اللغة في أصل هذه الكلمة، وهي تستعمل للندم والتّحيّر. فقال أبو مروان اللغوي:
قول العرب: سقط في يده مما أعياني معناه. وقال الواحدي: قد بان من أقوال المفسرين وأهل اللغة أن سقط في يده: ندم. وأنه يستعمل في صفة النادم. فأما القول في مأخذه وأصله فلم أر لأحد من أئمة اللغة شيئا أرتضيه فيه. وقال الزّجّاج: قوله تعالى: {سقط في أيديهم}: بمعنى ندموا، وهذه اللفظة لم تسمع قبل القرآن، ولم تعرفها العرب في النظم والنثر، جاهلية وإسلاما. فلما سمعوه خفي عليهم وجه استعماله، لأنه لم يقرع أسماعهم، فقال أبو نواس:
في نشوة قد سقطت منها يدي

وهو العالم النحرير فأخطأ في استعماله. وعبارة الفراء: يجوز سقط وأسقط، وترك الهمزة هو الأكثر الأجود، وسقط بالفتح والبناء للفاعل لغة قليلة، قال الأخفش: وقد قرئ بها في الشواذّ كأنه أضمر الندم، أي: سقط الندم في أيديهم. وقال المطرزي: سقط في يده مثل يضرب للنادم المتحيّر، ومعناه ندم. لأن من شأن من اشتد ندمه أن يعضّ يده فتصير يده مسقوطا فيها، كأن فاه وقع فيها. هذا وترى مزيدا من القول في هذه اللفظة في باب البلاغة.

.الإعراب:

{وَلَمَّا سُقِطَ فِي أَيْدِيهِمْ} الواو استئنافية، والجملة مستأنفة مسوقة لبيان مصيرهم بعد ارتكاب جريرتهم. ولما رابطة أو حينية، وسقط بالبناء للمجهول، وفي أيديهم قائم مقام نائب الفاعل، وفي بمعنى على، أي: على أيديهم {وَرَأَوْا أَنَّهُمْ قَدْ ضَلُّوا} عطف على سقط في أيديهم، وأن وما في حيزها سدت مسدّ مفعولي رأوا، لأنها بمعنى علموا، وجملة قد ضلوا خبر أن {قالُوا لَئِنْ لَمْ يَرْحَمْنا رَبُّنا وَيَغْفِرْ لَنا} جملة قالوا لا محل لها من الإعراب لأنها جواب شرط غير جازم، واللام موطئة للقسم، وإن شرطية، ولم حرف نفي وقلب وجزم، ويرحمنا فعل مضارع مجزوم بلم، ونا مفعول به، وربنا فاعل مؤخر، ويغفر الواو حرف عطف، وجملة يغفر عطف على يرحمنا، ولنا جار ومجرور متعلقان بيغفر {لَنَكُونَنَّ مِنَ الْخاسِرِينَ} اللام جواب للقسم، ونكونن فعل مضارع مبني على الفتح لاتصاله بنون التوكيد الثقيلة، وجملة جواب القسم لا محل لها، وجملة القسم في محل نصب مقول القول، ومن الخاسرين جار ومجرور متعلقان بمحذوف خبر نكونن {وَلَمَّا رَجَعَ مُوسى إِلى قَوْمِهِ غَضْبانَ أَسِفًا} الواو استئنافية، أو عاطفة، ولما رابطة أو حينية، وجملة رجع موسى لا محل لها، أو في محل جر بالإضافة، والى قومه جار ومجرور متعلقان برجع، وغضبان حال أولى، وأسفا حال ثانية من موسى {قالَ بِئْسَما خَلَفْتُمُونِي مِنْ بَعْدِي} بئس فعل ماض جامد لإنشاء الذم، وفاعله ضمير مستتر تقديره هو وجوبا هنا خاصة. وما نكرة موصوفة في محل نصب تمييز، والمعنى خلافة، وجملة خلفتموني صفة لما، والمخصوص بالذم محذوف أي: خلافتكم، ومن بعدي جار ومجرور متعلقان بمحذوف حال {أَعَجِلْتُمْ أَمْرَ رَبِّكُمْ} الهمزة للاستفهام الإنكاري التقريعي، وعجلتم أي: سبقتم فعل وفاعل، وأمر ربكم مفعول به، وكلها تتمة مقولهم: {وَأَلْقَى الْأَلْواحَ وَأَخَذَ بِرَأْسِ أَخِيهِ يَجُرُّهُ إِلَيْهِ} الواو عاطفة، وألقى عطف على قال، والمراد هنا استيلاء الغضب، وأخذ عطف على ألقى، وبرأس جار ومجرور متعلقان بأخذ، وأخيه مضاف إليه، وجملة يجره إليه حال من ضمير موسى المستتر في أخذ، أي: أخذه جارّا برأسه إليه {قالَ ابْنَ أُمَّ} ابن أمّ اسمان مبنيان على الفتح لتركبهما تركيب الأعداد، مثل خمسة عشر أو الظروف مثل صباح مساء، فعلى هذا ليس ابن مضاف لأم بل هو مركب معها، فحركتهما حركة بناء. وذهب الكوفيون إلى أن ابن مضاف لأمّ، وأمّ مضاف إلى ياء المتكلم، وقد قلبت ألفا كما تقلب في المنادى المضاف إلى ياء المتكلم، ثم حذفت الألف واجتزئ عنها بالفتحة كما يجتزأ بالياء عن الكسرة، وحينئذ فحركة ابن حركة إعراب، وهو مضاف لأمّ، فهي في محل جر بالإضافة، وعلى كل فحرف النداء محذوف أي:
يا ابن أم، وانما اقتصر في خطابه على الأم مع أنه شقيقه لأن ذكر الأم أعطف لقلبه {إِنَّ الْقَوْمَ اسْتَضْعَفُونِي وَكادُوا يَقْتُلُونَنِي} الجملة بمثابة التعليل لما عاملوه به. وإن واسمها، وجملة استضعفوني خبرها، وكادوا عطف على استضعفوني، والواو اسم كاد، وجملة يقتلونني خبرها {فَلا تُشْمِتْ بِيَ الْأَعْداءَ} الفاء الفصيحة، أي: إذا علمت عذري فلا تسرّ الأعداء بما تفعل بي من المكروه، وبي جار ومجرور متعلقان بتشمت، والأعداء مفعول به {وَلا تَجْعَلْنِي مَعَ الْقَوْمِ الظَّالِمِينَ} الواو عاطفة، ولا ناهية، وتجعلني فعل مضارع مجزوم بلا، ومع ظرف مكان متعلق بتجعلني، والقوم مضاف إليه والظالمين صفة {قالَ رَبِّ اغْفِرْ لِي وَلِأَخِي} الجملة مستأنفة مسوقة لطلب المغفرة له ولأخيه، ورب منادى محذوف منه حرف النداء، واغفر فعل دعاء، ولي جار ومجرور متعلقان باغفر، ولأخي عطف على {لي} {وَأَدْخِلْنا فِي رَحْمَتِكَ وَأَنْتَ أَرْحَمُ الرَّاحِمِينَ} عطف على اغفر، وفي رحمتك جار ومجرور متعلقان بأدخلنا، وأنت الواو حالية أو استئنافية، وأنت مبتدأ، وأرحم الراحمين خبر.

.البلاغة:

الكناية في قوله: {سقط في أيديهم} عن الندم فإن العادة أن الإنسان إذا ندم على شيء عضّ بفمه على أصابعه، فسقوط الأفواه على الأيدي لازم للندم، فأطلق اسم اللازم وأريد الملزوم على سبيل الكناية. وقال الزمخشري: {ولما سقط في أيديهم}: ولما اشتد ندمهم، وحسرتهم على عبادة العجل، لأن من شأن من اشتد ندمه وحسرته أن يعضّ يده غما فتصير يده مسقوطا فيها لأن فاه قد وقع فيها.
وقال القطب في شرح الكشاف: إنه على تفسير الزّجّاج استعارة تمثيلية، لأنه شبه حال الندم في القلب بحال الشيء في اليد، وفيل: هو على تفسيره، استعارة بالكناية في الندم بتشبيهه ما يرى في العين.

.[سورة الأعراف: الآيات 152- 154]

{إِنَّ الَّذِينَ اتَّخَذُوا الْعِجْلَ سَيَنالُهُمْ غَضَبٌ مِنْ رَبِّهِمْ وَذِلَّةٌ فِي الْحَياةِ الدُّنْيا وَكَذلِكَ نَجْزِي الْمُفْتَرِينَ (152) وَالَّذِينَ عَمِلُوا السَّيِّئاتِ ثُمَّ تابُوا مِنْ بَعْدِها وَآمَنُوا إِنَّ رَبَّكَ مِنْ بَعْدِها لَغَفُورٌ رَحِيمٌ (153) وَلَمَّا سَكَتَ عَنْ مُوسَى الْغَضَبُ أَخَذَ الْأَلْواحَ وَفِي نُسْخَتِها هُدىً وَرَحْمَةٌ لِلَّذِينَ هُمْ لِرَبِّهِمْ يَرْهَبُونَ (154)}.

.الإعراب:

{إِنَّ الَّذِينَ اتَّخَذُوا الْعِجْلَ سَيَنالُهُمْ غَضَبٌ مِنْ رَبِّهِمْ وَذِلَّةٌ فِي الْحَياةِ الدُّنْيا} كلام مستأنف، مسوق لإخبار موسى بما سينالهم بعد هذه الكبائر المتتابعة. وإن واسمها، وجملة اتخذوا العجل لا محل لها لأنها صلة الموصول، وجملة سينالهم خبر إن، وغضب فاعل، ومن ربهم جار ومجرور متعلقان بمحذوف صفة لغضب، وذلة عطف على غضب، وفي الحياة جار ومجرور متعلقان بمحذوف صفة لذلة، والدنيا صفة للحياة {وَكَذلِكَ نَجْزِي الْمُفْتَرِينَ} أي: مثل ذلك الجزاء نجزيهم، وقد تقدمت له نظائر كثيرة {وَالَّذِينَ عَمِلُوا السَّيِّئاتِ ثُمَّ تابُوا مِنْ بَعْدِها وَآمَنُوا} عطف على الذين السابقة أو مبتدأ، وجملة عملوا السيئات صلة، ثم تابوا عطف على عملوا، ومن بعدها جار ومجرور متعلقان بمحذوف حال، وآمنوا عطف على عملوا {إِنَّ رَبَّكَ مِنْ بَعْدِها لَغَفُورٌ رَحِيمٌ} إن واسمها، ومن بعدها جار ومجرور متعلقان بمحذوف حال، واللام المزحلقة، وغفور خبر أول لإنّ، ورحيم خبر ثان، والجملة كلها خبر الذين {وَلَمَّا سَكَتَ عَنْ مُوسَى الْغَضَبُ} الواو استئنافية، والجملة مستأنفة مسوقة لبيان المبالغة، ولما رابطة أو حينية، وقد تكررت مرارا، وسكت الغضب فعل وفاعل، وعن موسى جار ومجرور متعلقان بسكت، وجملة سكت لا محل لها أو في محل جر بالإضافة {أَخَذَ الْأَلْواحَ وَفِي نُسْخَتِها هُدىً وَرَحْمَةٌ لِلَّذِينَ هُمْ لِرَبِّهِمْ يَرْهَبُونَ} الجملة لا محل لها لأنها جواب شرط غير جازم، والواو حالية، وفي نسختها جار ومجرور متعلقان بمحذوف خبر مقدم، وهدى مبتدأ مؤخر، ورحمة عطف على هدى، وللذين جار ومجرور متعلقان بمحذوف صفة، وهم مبتدأ، وجملة يرهبون خبر، ولربهم جار ومجرور متعلقان بيرهبون، ودخلت اللام لتقوية المفعول به لأن تأخر الفعل يكسبه ضعفا، ونحوه: للرؤيا تعبرون، وقال الكسائي: إنها زائدة. وقال المبرد: هي متعلقة بمصدر الفعل المذكور، والتقدير للذين رهبتهم لربهم يرهبون، وجملة هم لربهم يرهبون صلة.